فصل: (بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ):

قَالَ: (الشَّهَادَةُ إذَا وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ، وَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا يُوَافِقُهَا وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا.
الشَّرْحُ:
(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ):
الِاخْتِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ، بَلْ الْأَصْلُ الِاتِّفَاقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَتَفَرَّعُ عَنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ذَلِكَ، وَالشَّهَادَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّعُ إمَّا عَنْ رُؤْيَةٍ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْقَتْلِ أَوْ سَمَاعِ إقْرَارٍ وَغَيْرِهِ، وَالشَّاهِدَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي إدْرَاكِ ذَلِكَ فَيَسْتَوِيَانِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِ فَلِهَذَا أَخَّرَهُ عَمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافٌ.
قولهُ: (الشَّهَادَةُ إذَا وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ. وَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتٍ فِي حَقِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ وَهُوَ الدَّعْوَى (وَقَدْ وُجِدَتْ) الدَّعْوَى (فِيمَا يُوَافِقُهَا) أَيْ يُوَافِقُ الشَّهَادَةَ فَوُجِدَ شَرْطُ قَبُولِهَا فَتُقْبَلُ (وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا) فَإِنَّهَا لَمَّا لَمْ تُوَافِقْهَا صَارَتْ الدَّعْوَى بِشَيْءٍ آخَرَ وَشَرْطُ قَبُولِ الدَّعْوَى بِمَا بِهِ الشَّهَادَةُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُوَافَقَةِ الْمُطَابِقَةَ، بَلْ إمَّا الْمُطَابَقَةُ أَوْ كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَكْثَرَ، فَمِنْ الْأَقَلِّ مَا لَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرِ كَذَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ بِلَا زِيَادَةٍ تُقْبَلُ، وَيَقْضِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ قَدْرَ مَا سَمَّاهُ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ لَا يَقْضِي بِالزِّيَادَةِ، كَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ الْخُلَاصَةِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ، وَمِنْهُ إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّتَاجِ فَشَهِدُوا فِي الْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَفِي الثَّانِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قُبِلَتَا، لِأَنَّ الْمِلْكَ بِسَبَبٍ أَقَلُّ مِنْ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ، بِخِلَافِ بِسَبَبٍ يُفِيدُ الْحُدُوثَ، وَالْمُطْلَقُ أَقَلُّ مِنْ النِّتَاجِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالنِّتَاجَ عَلَى الْيَقِينِ، وَفِي قَلْبِهِ وَهُوَ دَعْوَى الْمُطْلَقِ فَشَهِدُوا بِالنِّتَاجِ لَا تُقْبَلُ.
وَمِنْ الْأَكْثَرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ الْإِرْثَ، لِأَنَّ دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَقَيَّدَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ بِمَا إذَا نَسَبَهُ إلَى مَعْرُوفٍ سَمَّاهُ وَنَسِيَهُ.
أَمَّا لَوْ جَهِلَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْته أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قُبِلَتْ فَهِيَ خِلَافِيَّةٌ.
وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَبُولِ رَشِيدُ الدِّينِ، وَعَنْ هَذَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى مِلْكٍ بِسَبَبٍ، وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمُطْلَقِ لَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ.
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ لَهُ.
قُلْت: كَيْفَ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا لَوْ ادَّعَاهَا بِسَبَبٍ.
وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مَعَ الْقَبْضِ فَقَالَ وَقَبَضْته مِنْهُ هَلْ هُوَ كَالْمُطْلَقِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قُبِلَتْ.
الْخُلَاصَةُ تُقْبَلُ.
وَحُكِيَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ خِلَافًا، قِيلَ تُقْبَلُ لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ الْقَبْضِ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى تَعْيِينُ الْعَبْدِ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي نَفْسِهَا لَا كَالْمُطْلَقِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِالزَّوَائِدِ فِي ذَلِكَ.
وَفِي زَوَائِدِ شَمْسِ الْإِسْلَامِ: دَعْوَى الدَّيْنِ كَدَعْوَى الْعَيْنِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْحِيَلِ لِلْحَلْوَانِيِّ، فَلَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبِ الْقَرْضِ وَشَبَهِهِ فَشَهِدُوا بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَحْمُودٌ الْأُوزْجَنْدِيُّ: لَا تُقْبَلُ.
قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي الْأَقْضِيَةِ: مَسْأَلَتَانِ يَدُلَّانِ عَلَى الْقَبُولِ انْتَهَى.
وَعِنْدِي الْوَجْهُ الْقَبُولُ لِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ الدِّينِ لَا مَعْنَى لَهُ، بِخِلَافِ الْعَيْنِ.
وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ: لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِسَبَبٍ ثُمَّ شَهِدُوا عَلَى الْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ لَمَّا شَهِدُوا بِسَبَبِ حِمْلِ دَعْوَى الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ بَعْدَهُ عَلَى الْمُطْلَقِ.
وَلَوْ شَهِدُوا أَوَّلًا عَلَى الْمُطْلَقِ ثُمَّ شَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ بِبَعْضِ مَا شَهِدُوا بِهِ أَوَّلًا.
وَلَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ مَعَ السَّبَبِ تُقْبَلُ وَيَقْضِي بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ كَمَا لَوْ شَهِدَا جَمِيعًا بِهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ بِسَبَبِ عَقْدِ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ فَهُوَ مِلْكٌ حَادِثٌ.
وَلَوْ ادَّعَى بِسَبَبٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ مُطْلَقًا لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدُوا جَمِيعًا بِالْمُطْلَقِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ بِسَبَبِ الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ.
وَإِذَا أَرَّخَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ تُقْبَلُ فِي دَعْوَى غَيْرِ الْمُؤَرِّخِ لَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ.
وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ بِسَبَبٍ أَرَّخَهُ فَشَهِدُوا لَهُ بِهِ بِلَا تَارِيخٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ شَهْرَانِ فَأَرَّخُوا شَهْرًا تُقْبَلُ.
وَعَلَى الْقَلْبِ لَا، وَلَوْ أَرَّخَ الْمُطْلِقُ بِأَنْ قَالَ هَذَا الْعَيْنُ لِي مُنْذُ سَنَةٍ فَشَهِدَا أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ لَا تُقْبَلُ وَعَلَى الْقَلْبِ تُقْبَلُ.
وَمِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ مَا تَضْمَنَّهُ هَذِهِ الْفُرُوعُ الَّتِي نَذْكُرُهَا دَارٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَاهَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ لَهُ نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ مُشَاعًا فَشَهِدُوا أَنَّ لَهُ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ الْحَاضِرِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ.
ادَّعَى دَارًا وَاسْتَثْنَى طَرِيقَ الدُّخُولِ وَحُقُوقَهَا وَمَرَافِقَهَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا لَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا شَيْئًا لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى بَيْتًا وَلَمْ يَسْتَثْنُوهُ إلَّا إذَا وَفَّقَ فَقَالَ كُنْت بِعْت ذَلِكَ الْبَيْتَ مِنْهَا فَتُقْبَلُ.
وَفِي الْمُحِيطِ نَقْلًا مِنْ الْأَقْضِيَةِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ: إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ لِلْحَالِ: أَيْ فِي الْعَيْنِ فَشَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ تُقْبَلُ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ الْمِلْكَ فِي الْمَاضِي فَيُحْكَمُ بِهَا فِي الْحَالِ مَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُزِيلُ.
قَالَ رَشِيدُ الدِّينِ بَعْدَمَا ذَكَرَهَا: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقول: امرو زملك وي مي دَانَيْت. انْتَهَى، مَعْنَى هَذَا لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقول أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَلَكَهُ الْيَوْمَ.
نَعَمْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقول هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ فَقَطْ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ الْعِمَادِيُّ فَعَلَى هَذَا إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ فَشَهِدَا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ كَمَا فِي الْعَيْنِ.
وَمِثْلُهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْحَالِ تُقْبَلُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدُوا بِالْمِلْكِ فِي الْمَاضِي.
أَمَّا لَوْ شَهِدُوا بِالْيَدِ لَهُ فِي الْمَاضِي لَا يُقْضَى بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ تُسَوِّغُ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي بِهَا، وَخَرَّجَ الْعِمَادِيُّ عَلَى هَذَا مَا فِي الْوَاقِعَاتِ: لَوْ أُقِرَّ بِدَيْنِ رَجُلٍ عِنْدَ رَجُلَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ أَنَّ شَاهِدَيْ الْإِقْرَارِ يَشْهَدَانِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا يَشْهَدَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ هَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ وَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ، وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِمَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ لَا لِلْقَبُولِ وَعَدَمِهِ، بَلْ رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَنْعِهِ إحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى ثُبُوتُ الْقَبُولِ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَضَاهُ فَلَا يَشْهَدَانِ حَتَّى يُخْبِرَ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ، وَسَيَأْتِي مِنْ مَسَائِلِ الْكِتَابِ إذَا عَلِمَ شَاهِدُ الْأَلْفِ أَنَّهُ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ لَا يَشْهَدُ حَتَّى يُقِرَّ بِقَبْضِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَعَكْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ لَوْ ادَّعَى فِي الْمَاضِي أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ مِلْكِي فَشَهِدَ أَنَّهَا لَهُ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ وَشَهِدَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَا تُقْبَلُ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ إذَا شَهِدُوا عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ هَذِهِ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ لِأَنَّ إسْنَادَ الْمُدَّعِي دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ، إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَاضِي إلَّا ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مَا شَهِدُوا بِهِ مُدَّعًى بِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ إذَا أَسْنَدَا ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِمَا إيَّاهُ فِي الْحَالِ لِجَوَازِ قَصْدِهِمَا إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِخْبَارِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُمَا بِهِ إذْ لَمْ يَعْلَمَا سِوَى ثُبُوتِهِ فِي الْمَاضِي وَقَدْ يَكُونُ انْتَقَلَ فَيَحْتَرِزَانِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ لِلْحَالِ بِالِاسْتِصْحَابِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: ادَّعَى النَّقْرَةَ الْجَيِّدَةَ وَبَيَّنَ الْوَزْنَ فَشَهِدَا عَلَى النَّقْرَةِ وَالْوَزْنِ وَلَمْ يَذْكُرَا جَيِّدَةً أَوْ رَدِيئَةً أَوْ وَسَطًا تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالرَّدِيءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى قَفِيزَ دَقِيقٍ مَعَ النُّخَالَةِ فَشَهِدُوا مِنْ غَيْرِ نُخَالَةٍ أَوْ مَنْخُولًا فَشَهِدُوا غَيْرَ الْمَنْخُولِ لَا تُقْبَلُ.
وَفِيهَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ بَيْتٍ فَشَهِدُوا عَلَى أَلْفٍ مِنْ ضَمَانِ جَارِيَةٍ غَصَبَهَا وَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ، وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَسْطُورَةِ وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَا بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ بَاعَهَا مِنْهُ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّهُ أَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَاَلَّذِي لِي عَلَيْهِ ثَمَنُ مَتَاعٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ: أَيْ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ بِمِثْلِهِ فِي الْإِقْرَارِ تُقْبَلُ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا.
وَفِي الْكَفَالَةِ: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَفَلَ بِأَلْفٍ عَنْ فُلَانٍ، فَقَالَ الطَّالِبُ هُوَ أَقَرَّ بِذَلِكَ لَكِنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ عَنْ فُلَانٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْمَالِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَضُرُّهُمَا الِاخْتِلَافُ فِي السَّبَبِ.
وَمِثْلُهُ ادَّعَى أَنَّهُ آجَرَهُ دَارًا وَقَبَضَ مَالَ الْإِجَارَةِ وَمَاتَ فَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَطَلَبَ مَالَ الْإِجَارَةِ فَشَهِدُوا أَنَّ الْآجِرَ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَالِ الْإِجَارَةِ تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ مَالِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ أَوْ الْقَرْضَ فَشَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالْمَالِ تُقْبَلُ.
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَقَدْ أُطْلِقَ الْقَبُولُ فِي الْمُحِيطِ وَالْعُمْدَةِ.
وَقَالَ قَاضِي خَانْ: قَالُوا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَلَوْ ادَّعَى قَرْضًا فَشَهِدُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ دَفَعَ إلَيْهِ كَذَا وَلَمْ يَقولوا وَقَبَضَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَثْبُتُ قَبْضُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْبَيْعِ شَهَادَةٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْقَبْضُ بِذَلِكَ يَكُونُ الْقول لِذِي الْيَدِ أَنَّهُ قَبَضَ بِجِهَةِ الْأَمَانَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِجِهَةِ الْقَرْضِ إنْ ادَّعَاهُ.
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ دَيْنَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ قَضَاهُ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدُوا جَمِيعًا بِالْإِقْرَارِ بِهِ قُبِلَتْ.
وَلَوْ ادَّعَى شِرَاءَ دَارٍ مِنْ رَجُلٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ وَكِيلِهِ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا بَاعَهَا مِنْهُ وَهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجَازَ الْبَيْعَ ادَّعَى أَنَّك قَبَضْت مِنْ مَالِي جَمَلًا بِغَيْرِ حَقٍّ مَثَلًا وَذَكَرَ سِنَّهُ وَقِيمَتَهُ فَشَهِدُوا أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ غَيْرَ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِهِ لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ مَالِي وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْتَ مِنِّي فَلَا يَكُونُ مَا شَهِدَا بِهِ يُنَاقِضُهُ فَيَحْضُرُهُ لِيُشِيرَ إلَيْهِ بِالدَّعْوَى.
فَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ وَوُجِدَ شَرْطُ الْقَبُولِ فِي شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَهُوَ مَا طَابَقَ الدَّعْوَى مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فَالْوَاحِدُ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ لِلْقَاضِي.
وَإِنَّمَا قَيَّدَ الِاشْتِرَاطَ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ احْتِرَازًا عَنْ حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ الدَّعْوَى مُدَّعٍ خَاصٍّ غَيْرُ الشَّاهِدِ لَيْسَ شَرْطًا لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ الْقِيَامُ بِهِ فِي إثْبَاتِهِ، وَذَلِكَ لِلشَّاهِدِ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَكَانَ قَائِمًا فِي الْخُصُومَةِ مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَشَاهِدًا مِنْ جِهَةِ تَحَمُّلِ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهَا إلَى خَصْمٍ آخَرَ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ).
وَعَلَى هَذَا الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالثَّلَاثُ.
لَهُمَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ أَوْ الطَّلْقَةِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ فَيَثْبُتُ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَصَارَ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا لَفْظًا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ بِاللَّفْظِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَلْفَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَلْفَيْنِ بَلْ هُمَا جُمْلَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ فَحَصَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ إلَخْ) أَيْ يُشْتَرَطُ التَّطَابُقُ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ كَمَا بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى أَيْضًا لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ.
ثُمَّ الشَّرْطُ فِي تَطَابُقِ الشَّاهِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى) وَالْمُرَادُ مِنْ تَطَابُقِهِمَا تَطَابُقُ لَفْظِهِمَا عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَوْ بِمُرَادِفٍ، حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخِرُ بِالْعَطِيَّةِ قُبِلَتْ لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ (فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ) فَلَمْ يُقْضَ بِشَيْءٍ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفَيْنِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ يَدَّعِي أَلْفًا لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شَاهِدَ الْأَلْفَيْنِ، إلَّا إنْ وَفَّقَ فَقَالَ كَانَ لِي عَلَيْهِ أَلْفَانِ فَقَضَانِي أَلْفًا أَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ أَلْفٍ وَالشَّاهِدُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي لَهُ بِالْأَلْفِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِمِائَتَيْنِ أَوْ بِطَلْقَةٍ وَطَلْقَتَيْنِ وَطَلْقَةٍ وَثَلَاثٍ لَا يُقْضَى بِطَلَاقٍ أَصْلًا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِالْأَقَلِّ، وَعَلَى هَذَا الْخَمْسَةُ وَالْعَشَرَةُ وَالْعَشَرَةُ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ وَالدِّرْهَمُ وَالدِّرْهَمَانِ، وَهَذَا فِي دَعْوَى الدَّيْنِ.
أَمَّا فِي دَعْوَى الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَ فِي كِيسٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْكِيسِ وَهُوَ أَلْفَا دِرْهَمٍ لَهُ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْكِيسِ لَهُ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ ذِكْرَ الْمِقْدَارِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ ذَكَرَهُ الْخَبَّازِيُّ.
وَبِقولهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ثُمَّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَسْتَحِقُّ الزَّائِدَ بِالْحَلِفِ عَلَيْهِ (مَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ أَوْ الطَّلْقَةِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ فَيَثْبُتُ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَصَارَ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفُ وَالْخَمْسُمِائَةِ) حَيْثُ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِالْأَلْفِ لِذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا عَلَى الشَّهَادَةِ بِهَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا) فِي لَفْظٍ غَيْرِ مُرَادِفٍ (لِأَنَّ الْأَلْفَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَلْفَيْنِ) وَيَلْزَمُهُ اخْتِلَافُ الْمَعْنَى فَإِنَّمَا (هُمَا) أَيْ الْأَلْفُ وَالْأَلْفَانِ (جُمْلَتَانِ) أَيْ عَدَدَانِ (مُتَبَايِنَتَانِ حَصَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ وَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالِ) بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِكُرِّ شَعِيرٍ وَالْآخِرُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ بِمِائَةٍ بِيضٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةٍ سُودٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي السُّودَ لَا تُقْبَلُ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا لِأَنَّ الْمُدَّعِي كَذَّبَ شَاهِدَ الْبِيضِ، إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ الْمُدَّعِي فَيَقول كَانَ لِي الْبِيضُ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ صِفَةِ الْجُودَةِ فَتُقْبَلُ حِينَئِذٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ يَدَّعِي الْبِيضَ وَلَهَا مَزِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالسُّودِ، وَلَمْ يَحْكُوا خِلَافًا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ.
وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لِمُدَّعِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا جَيِّدَةٌ وَقَالَ الْآخَرُ رَدِيئَةٌ وَالدَّعْوَى بِالْأَفْضَلِ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا نَيْسَابُورِيَّةً وَقَالَ الْآخَرُ بُخَارِيَّةً وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي النَّيْسَابُورِيَّة وَهِيَ أَجْوَدُ يُقْضَى بِالْبُخَارِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ يُنْقَلُ وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْكَمْيَّةِ وَالْجِنْسِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَقَعْ جَوَابُ قولهِمَا الشَّاهِدُ بِالْأَلْفَيْنِ شَاهِدٌ بِالْأَلْفِ فِي ضِمْنِهِمَا فَاجْتَمَعَا عَلَيْهَا وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ فَلَا يُقْبَلُ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَا شَهِدَ بِهَا إلَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ جُزْءُ الْأَلْفَيْنِ، فَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْأَلْفُ فِي ضِمْنِ ثُبُوتِ الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّ الْمُتَضَمَّنَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْمُتَضَمِّنِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْأَلْفَانِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْأَلْفُ.
فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى قولهِ مَا لَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ وَشَهِدَ بِأَلْفٍ تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَهِيَ شَرْطٌ عَلَى قول الْكُلِّ.
وَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَالْآخَرُ أَنْتِ بَرِيَّةٌ لَا يُقْضَى بِبَيْنُونَةٍ أَصْلًا مَعَ إفَادَتِهِمَا مَعًا الْبَيْنُونَةَ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ اخْتِلَافَ اللَّفْظِ لَهُ وَحْدَهُ غَيْرُ ضَائِرٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ تُقْبَلُ.
أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَإِنْ اُشْتُرِطَ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى وَزْنِ اتِّفَاقِهِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ الْقَتْلَ فَشَهِدُوا بِإِقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ لَا تُقْبَلُ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ حَصَلَتْ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَدَّعِي أَلْفَيْنِ كَانَ مُدَّعِيًا الْأَلْفَ وَقَدْ شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ صَرِيحًا فَتُقْبَلُ، بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا بِالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَنُصَّ شَاهِدُ الْأَلْفَيْنِ عَلَى الْأَلْفِ إلَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَلْفَانِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْأَلْفَانِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ: الَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا مَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِطَلْقَةٍ: يَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ وَآخَرَانِ بِثَلَاثٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ ضَمَانُ نِصْفِ الشَّهْرِ عَلَى شَاهِدَيْ الثَّلَاثِ لَا عَلَى شَاهِدَيْ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ مَا قَالَا إنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً تَقَعُ الْوَاحِدَةُ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ فَقَدْ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهَا فِيهَا وَالْمَالِكُ يُوجَدُ مِنْ مَمْلُوكِهِ مَا شَاءَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا أَلْفًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِمِلْكِهِ الْعَدَدَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَغَا مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ شَرْعًا.
وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي فَيُمْنَعُ التَّرَادُفُ لِأَنَّ مَعْنَى خَلِيَّةٍ لَيْسَ مَعْنَى بَرِيَّةٍ لُغَةً وَالْوُقُوعُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا قُلْنَا إنَّ الْكِنَايَاتِ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا فَهُمَا لَفْظَانِ مُتَبَايِنَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ يَلْزَمُهُمَا لَازِمٌ وَاحِدٌ هُوَ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ، وَالْمُتَبَايِنَاتُ قَدْ تَشْتَرِكُ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَاخْتِلَافُهُمَا ثَابِتٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى مِنْهُمَا كَانَ دَلِيلَ اخْتِلَالِ تَحَمُّلِهِمَا فَإِنَّ هَذَا يَقول: مَا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ إلَّا بِوَصْفِهَا بِخَلِيَّةٍ وَالْآخَرُ يَقول لَمْ تَقَعْ إلَّا بِوَصْفِهَا بِبَرِيَّةٍ وَإِلَّا فَلَمْ تَقَعْ الْبَيْنُونَةُ.
هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي عَقْدًا، أَمَّا إنْ ادَّعَى الْمَالَ فِي ضِمْنِ دَعْوَى الْعَقْدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَالْجَوَابُ مَا سَتَعْلَمُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ مَا يُخَالِفُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، ذَكَرَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا بَلْ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَبَدًا عَلَى أَنَّ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لِزَيْدٍ نِصْفَهَا قَالَ أَجْعَلُ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا الَّذِي أَجْمَعَا عَلَيْهِ وَالْبَاقِي لِلْمَسَاكِينِ، وَكَذَا إذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا مَالًا لِزَيْدٍ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَالْآخَرُ أَقَلُّ مِنْهُ أَحْكُمُ لِزَيْدٍ بِمَا أَجْمَعَا عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ يُعْطِي لِزَيْدٍ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا يَسَعُهُ وَيَسَعُ عِيَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ الْآخَرُ يُعْطِي أَلْفًا قَالَ أُقَدِّرُ نَفَقَتَهُ وَعِيَالِهِ فِي الْعَامِ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ حَكَمْت لَهُ بِالْأَلْفِ أَوْ الْأَلْفُ أَكْثَرُ أَعْطَيْته نَفَقَتَهُ وَالْبَاقِي لِلْمَسَاكِينِ، هَذَا بَعْدَ أَنْ أَدْخَلَ الْكِسْوَةَ فِي النَّفَقَةِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: قُلْت فَلِمَ أَجَزْت هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَقَدْ اخْتَلَفَا فِي لَفْظِهِمَا؟ قَالَ: الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْوَقْفَ إلَى أَنَّ لِزَيْدٍ بَعْضَ هَذِهِ الْغَلَّةِ فَأَجْعَلُ لَهُ الْأَقَلَّ انْتَهَى.
فَإِيرَادُ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ الَّذِي ذَكَرْت أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ، فَإِنَّ إيرَادَهُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ قول أَبِي حَنِيفَةَ، وَقولهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ لَفْظُهُمَا صَرِيحٌ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ انْتَهَى.
وَحَاصِلُهُ أَنَّا عَلِمْنَا اسْتِحْقَاقَهُ بَعْضَ هَذَا الْمَالِ وَتَرَدَّدْنَا بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ فَيَثْبُتُ الْمُتَيَقَّنُ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ.
فُرُوعٌ:
ادَّعَى بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِهِ لَا تُقْبَلُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا أَنَّهُ لَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَلَكَهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهُ مَلَكَهُ لَا تُقْبَلُ، وَمِثْلُهُ دَعْوَى الرَّهْنِ فَشَهِدَ بِهِ بِمُعَايَنَةِ الْقَبْضِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِقَبْضِهِ لَا تُقْبَلُ.
قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: الرَّهْنُ فِي هَذَا كَالْغَصْبِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لَوْ أَعَادَهَا فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُودَعِ قُبِلَتْ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهَا وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهَا لَا تُقْبَلُ عَلَى قِيَاسِ الْغَصْبِ.
وَعَلَى قِيَاسِ الْقَرْضِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ الْوَفَاءَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِذَلِكَ تُقْبَلُ لِلْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ وَاحِدٌ.
وَمِثْلُهُ ادَّعَتْ صَدَاقَهَا فَقَالَ وَهَبَتْنِي إيَّاهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِبْرَاءِ تُقْبَلُ لِلْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ السُّقُوطُ.
وَقِيلَ لَا لِلِاخْتِلَافِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ وَالْهِبَةَ تَمْلِيكٌ.
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ.
وَفِي الْمُحِيطِ: ادَّعَى دَارًا فَشَهِدَ أَنَّهَا دَارُهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهَا لَهُ لَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الدَّيْنِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا لَا تُقْبَلُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ.
وَإِذَا رَاجَعْت الْقَاعِدَةَ الَّتِي نَذْكُرُهَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْقول وَالْفِعْلِ خَرَّجْت كَثِيرًا مِنْ الْفُرُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَلِيمُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْأَلْفِ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَلْفِ) لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، لِأَنَّ الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ جُمْلَتَانِ عُطِفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَالْعَطْفُ يُقَرِّرُ الْأَوَّلَ وَنَظِيرُهُ الطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَةُ وَالنِّصْفُ وَالْمِائَةُ وَالْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ، بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَهُوَ نَظِيرُ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْهِ إلَّا الْأَلْفُ فَشَهَادَةُ الَّذِي شَهِدَ بِالْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَا إذَا سَكَتَ إلَّا عَنْ دَعْوَى الْأَلْفِ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ ظَاهِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَلَوْ قَالَ كَانَ أَصْلُ حَقِّي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَلَكِنِّي اسْتَوْفَيْت خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَبْرَأْتُهُ عَنْهَا قُبِلَتْ لِتَوْفِيقِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَلْفِ) بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَهُمَا ظَاهِرًا، وَعِنْدَهُ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى.
وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِالشَّهَادَةِ بِجُمْلَةٍ أُخْرَى مَنْصُوصٌ عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهَا لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَلْفِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ وَهُوَ يَدَّعِيهِمَا، وَلَوْ كَانَ إنَّمَا يَدَّعِي الْأَلْفَ وَسَكَتَ عَنْ التَّوْفِيقِ لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ لِشَاهِدِ الْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ ظَاهِرًا، لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي مَوْضِعِ الْبَيَانِ بَيَانٌ إلَّا إنْ وَفَّقَ فَقَالَ كَانَ حَقِّي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَقَضَانِي أَوْ أَبْرَأْتُهُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ عَلَى نَظِيرِ مَا تَقَدَّمَ وَمَا لَمْ يُوَفِّقْ صَرِيحًا وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ، وَلَا يَكْفِي احْتِمَالُ التَّوْفِيقِ فِي الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا كَانَ لِي إلَّا أَلْفٌ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُهُ التَّوْفِيقُ فَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِالْأَلْفِ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ (وَلَمْ يُسْمَعْ قولهُ إنْ قَضَاهُ) لِأَنَّهُ شَهَادَةُ فَرْدٍ (إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ، لِأَنَّ شَاهِدَ الْقَضَاءِ مَضْمُونُ شَهَادَتِهِ أَنْ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ.
وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا.
قَالَ: (وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ) إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ (أَنْ لَا يَشْهَدَ بِأَلْفٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ) كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا عَلَى الظُّلْمِ.
(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلَانِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَرْضٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ قَضَاهَا، فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَرْضِ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَضَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ، وَهُوَ قول زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَكْذَبَ شَاهِدَ الْقَضَاءِ.
قُلْنَا: هَذَا إكْذَابٌ فِي غَيْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَمِثْلُهُ لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا شَهِدَا بِأَلْفٍ، وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ قَضَى بِالْأَلْفِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا عَلَيْهَا، وَلَمْ يَسْمَعْ قولهُ إنَّهُ قَضَاهُ لِأَنَّهُ شَهَادَةُ فَرْدٍ) بِسُقُوطِ بَعْضِ الْحَقِّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَلَا تُقْبَلُ (إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ (أَنَّهُ يُقْضَى بِخَمْسِمِائَةٍ) فَقَطْ (لِأَنَّ شَاهِدَ الْقَضَاءِ مَضْمُونٌ شَهَادَتُهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ. وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) يَعْنِي قولهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، يَعْنِي فَبَعْدَ ثُبُوتِ الْأَلْفِ بِاتِّفَاقِهِمَا شَهِدَ وَاحِدٌ بِسُقُوطِ خَمْسِمِائَةٍ فَلَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا إنَّهُ قَضَاهُ إيَّاهَا بَعْدَ قَرْضِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالْكُلِّ عَلَى قول الْكُلِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدِ الْقَضَاءِ، وَذَكَرُوا قول زُفَرَ كَقول أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ إكْذَابٌ مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ كَمَا لَوْ فَسَّقَهُ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا إلَى آخِرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِكْذَابِ التَّفْسِيقُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَغْلِيطًا لَهُ (قَالَ) الْقُدُورِيُّ (وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ) أَيْ بِقَضَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ (أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِقَبْضِهَا) لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ فَإِمَّا بِالْأَلْفِ ثُمَّ يَقول قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَعَلِمْت أَنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِأَلْفٍ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَإِمَّا بِخَمْسِمِائَةٍ يَثْبُتُ اخْتِلَافُهُمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَفِيهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَصْلًا عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعِي.
فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ الَّذِي عَرَفَ الْقَضَاءَ حَتَّى يَعْتَرِفَ بِالْقَدْرِ الَّذِي سَقَطَ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ لَفْظِ لَا يَنْبَغِي لَا يَحِلُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي جَامِعِ أَبِي اللَّيْثِ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ: رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ قَوْمٍ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا فَبَعْدَ مُدَّةٍ جَاءَ رَجُلَانِ أَوْ أَكْثَرُ إلَى الْقَوْمِ فَقَالُوا لَا تَشْهَدُوا عَلَى فُلَانٍ بِذَلِكَ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ قَضَاهُ كُلَّهُ فَالشُّهُودُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا امْتَنَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَإِنْ شَاءُوا أَخْبَرُوا الْحَاكِمَ بِشَهَادَةِ الَّذِينَ أَخْبَرُوهُمْ بِالْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُونَ عُدُولًا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْمَالِ، هَذَا قول الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، لَوْ شَهِدَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَدَّعُوا الشَّهَادَةَ، وَكَذَا إذَا حَضَرُوا بَيْعَ رَجُلٍ أَوْ نِكَاحَهُ أَوْ قَتْلَهُ فَلَمَّا أَرَادُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ شَهِدَ عِنْدَهُمْ بِطَلَاقِ الزَّوْجِ ثَلَاثًا أَوْ قِيلَ عَايَنَّا امْرَأَةً أَرْضَعَتْهُمَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ عَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ إنْ كَانَ وَاحِدًا شَهِدُوا أَوْ اثْنَيْنِ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا، وَكَذَا لَوْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّ الْمِلْكَ لِلثَّانِي لَا يَسَعُهُ بِالْمِلْكِ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ ذِي الْيَدِ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قولهِمَا.
هَذَا وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ تَفْرِيعَهَا عَلَيْهَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ الَّتِي نَقَلَهَا يُقْضَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ إيَّاهَا أَنْ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَذَكَرَهَا لِلْإِعْلَامِ بِالْفَرْقِ.
وَقِيلَ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لِقَاتِلٍ أَنْ يَقول فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدِ الْقَضَاءِ عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ مُتَقَدِّمًا لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى لِلشَّاهِدِ أَنْ يَقول: أَنَا تَحَمَّلْت الشَّهَادَةَ وَأَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا وَقَدْ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ وَلَكِنِّي أَشْهَدُ كَمَا أُشْهِدْت عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ، فَإِذَا ظَهَرَتْ شَهَادَتُهُ مَعَ الْآخَرِ بِهَا قُضِيَ لَهُ بِالْأَلْفِ.
أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ فَالشَّاهِدُ يَذْكُرُ أَنَّ الشَّهَادَةَ سَقَطَتْ عَنْهُ وَلَيْسَ عَلَيَّ أَدَاؤُهَا فَشَهَادَتِي بَاطِلَةٌ فَلَا يَقْضِي بِالْأَلْفِ، فَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَزَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةَ وَأَثْبَتَتْ جَوَازَ الشَّهَادَةِ.
وَاسْتَرْوَحَ فِي النِّهَايَةِ فَقَالَ: التَّفَاوُتُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ وَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ بِقَضَاءِ الْمَدْيُونِ كُلَّ الدَّيْنِ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا شَهِدَ بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَقْبَلْ الشَّهَادَتَيْنِ) لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى (فَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَقَضَى بِهَا ثُمَّ حَضَرَتْ الْأُخْرَى لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَلَا تُنْتَقَضُ بِالثَّانِيَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَاجْتُمِعُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَقْضِ) بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَلَوْ لَمْ يَجْتَمِعُوا بَلْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَكَّة فَقُضِيَ بِهَا ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِكَذِبِ إحْدَاهُمَا بِيَقِينٍ وَلَا أَوْلَوِيَّةَ فَلَا قَبُولَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِلْأَوْلَوِيَّةِ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ الصَّحِيحِ بِهَا فَإِنَّهُ حِينَ قَضَى بِالْأُولَى لَا مُعَارِضَ لَهَا إذْ ذَاكَ فَنَفَذَ شَرْعًا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ثَبَتَ شَرْعًا بِحُدُوثِ مُعَارِضٍ، كَمَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فِي أَحَدِهِمَا نَجَاسَةٌ شَكَّ فِي تَعْيِينِهِ فَتَحَرَّى وَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ وَقَعَ ظَنُّهُ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ لَا يُصَلِّي فِيهِ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِتَحَرِّيهِ الْأَوَّلِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ الصِّحَّةُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فِيهِ فَلَا يُؤَثِّرُ التَّحَرِّي الثَّانِي فِي رَفْعِهِ.
وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْآلَةِ، قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَقَالَ الْآخَرُ بِيَدِهِ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا إنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ لِأَنَّ الْقول غَيْرُ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْقَتْلِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى أَحَدِهِمَا نِصَابٌ، وَكَذَا الضَّرْبُ الْوَاقِعُ أَمْسِ وَبِتِلْكَ الْآلَةِ لَيْسَ عَيْنَ الضَّرْبِ الْوَاقِعِ الْيَوْمَ وَبِالْأُخْرَى حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْفِعْلِ الثَّانِي إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ لِيَتَّحِدَ الْفِعْلُ نَفْسُهُ، وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ الْفِعْلِ كَالشَّجِّ وَالْجِنَايَةِ مُطْلَقًا وَالْغَصْبِ أَوْ مِنْ بَابِ الْقول الْمَشْرُوطِ فِي صِحَّتِهِ الْفِعْلُ كَالنِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ إحْضَارُ الشُّهُودِ فَاخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ الْإِنْشَاءِ أَوْ الْإِقْرَارِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ لِمَا ذَكَرْنَا، إذْ الْمُرَادُ بِالْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ ذِكْرُ أَنَّ إنْشَاءَ الْفِعْلِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ.
مِثَالُهُ: مَا لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَا جَمِيعًا بِالْإِقْرَارِ بِهِ قُبِلَتْ، بِخِلَافِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْقول كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ وَالْإِقْرَارِ وَالْقَرْضِ وَالْبَرَاءَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْقَذْفِ لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ، فَإِنَّ الْقول مِمَّا يَتَكَرَّرُ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ إنْشَاءً وَإِخْبَارًا وَهُوَ فِي الْقَرْضِ بِحَمْلِهِ عَلَى قول الْمُقْرِضِ أَقْرَضْتُك، وَكَذَا يُقْبَلُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَا يَشْهَدَانِ بِمُعَايَنَةِ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَفِي الْمُحِيطِ: ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ قَبَضَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ مُنْذُ شَهْرٍ وَشَهِدُوا لَهُ بِالْقَبْضِ مُطْلَقًا لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَى الْقَبْضِ بِلَا تَارِيخٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَالِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْفِعْلَ فِي الْمَاضِي وَالْفِعْلُ فِي الْمَاضِي غَيْرُهُ فِي الْحَالِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى الْقَتْلَ مِنْ شَهْرٍ فَشَهِدُوا بِهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْقَتْلَ مُطْلَقًا وَشَهِدُوا بِهِ مِنْ شَهْرٍ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْفِعْلِ فِي الْحَالِ وَهُمْ شَهِدُوا بِهِ فِي الْمَاضِي فَلَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وَفَّقَ وَقَالَ أَرَدْت مِنْ الْمُطْلَقِ الْفِعْلَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقِيلَ تُقْبَلُ فِي هَذَا مِنْ غَيْرِ تَوْفِيقٍ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ أَكْثَرُ وَأَقْوَى مِنْ الْمُؤَرَّخِ فَقَدْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى بِهِ فَتُقْبَلُ انْتَهَى فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مِنْ الْفِعْلِ الْقَبْضُ.
وَمِنْ الْفُرُوعِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ ادَّعَى الشِّرَاءَ أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ فَشَهِدُوا بِهِ أَمْسِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قول، وَلَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ فَشَهِدُوا بِهِ أَمْسِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْفِعْلَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَرِيبٍ، هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ رِوَايَتِهِ، اخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ يَمْنَعُ فِي الْكُلِّ إلَّا إذَا شَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَالَ الْآخَرُ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِذَا شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الرَّاهِنِ وَالْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ بِالْقَبْضِ جَازَتْ.
وَلَوْ ادَّعَى الْبَيْعَ وَشَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ وَاخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ قُبِلَتْ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّ لَفْظَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ فَلَمْ يَثْبُتْ اخْتِلَافُ الْمَشْهُودِ بِهِ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَفِيهِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: لَوْ سَكَتَ شَاهِدَا الْبَيْعِ عَنْ بَيَانِ الْوَقْتِ فَسَأَلَهُمَا الْقَاضِي فَقَالَا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُكَلَّفَا حِفْظَ ذَلِكَ.

متن الهداية:
(وَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بَقَرَةً وَقَالَ الْآخَرُ ثَوْرًا لَمْ يُقْطَعْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَالَا: لَا يُقْطَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ) جَمِيعًا، وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي لَوْنَيْنِ يَتَشَابَهَانِ كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ لَا فِي السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَقِيلَ هُوَ فِي جَمِيعِ الْأَلْوَانِ.
لَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ فِي السَّوْدَاءِ غَيْرُهَا فِي الْبَيْضَاءِ فَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَصَارَ كَالْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ أَمْرَ الْحَدِّ أَهَمُّ وَصَارَ كَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ.
وَلَهُ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِي اللَّيَالِي مِنْ بَعِيدٍ وَاللَّوْنَانِ يَتَشَابَهَانِ أَوْ يَجْتَمِعَانِ فِي وَاحِدٍ فَيَكُونُ السَّوَادُ مِنْ جَانِبٍ وَهَذَا يُبْصِرُهُ وَالْبَيَاضُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَهَذَا الْآخَرُ يُشَاهِدُهُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِيهِ بِالنَّهَارِ عَلَى قُرْبٍ مِنْهُ، وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي وَاحِدَةٍ، وَكَذَا الْوُقُوفُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ فَلَا يَشْتَبِهُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا شَهِدَا إلَخْ) صُورَتُهَا: ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ بَقَرَةً وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا لَوْنًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِسَرِقَتِهِ الْحَمْرَاءَ وَالْآخَرُ سَوْدَاءَ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: تُقْبَلُ وَيُقْطَعُ، وَقَالَا هُمَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يُقْطَعُ، وَلَوْ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ عَيَّنَ لَوْنًا كَحَمْرَاءَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءَ لَمْ يُقْطَعْ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُدَّعِي لَوْنًا بَيْنَ كَوْنِ اللَّوْنَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَلَفَا فِيهِمَا مُتَقَارِبَيْنِ كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ أَوْ مُتَبَاعِدَيْنِ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ.
وَقِيلَ فِي الْمُتَبَاعِدَيْنِ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَصْحِيحَهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ، وَعَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ لَوْ ادَّعَى سَرِقَةَ ثَوْبٍ مُطْلَقًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا هَرَوِيٌّ وَالْآخَرُ مَرْوِيٌّ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ.
لَهُمَا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابُ شَهَادَةٍ فَكَانَ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي ذُكُورَتِهَا وَأُنُوثَتِهَا أَوْ فِي قِيمَتِهَا لَا تُقْبَلُ كَذَا هَذَا.
وَأَيْضًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فِي الْغَصْبِ فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى غَصْبِ بَقَرَةٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ وَالْآخَرُ بَيْضَاءُ لَمْ تُقْبَلْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ قَبُولُهَا إثْبَاتَ حَدٍّ فَلَأَنْ لَا تُقْبَلَ فِيمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْلَى لِأَنَّ الْحَدَّ أَعْسَرُ إثْبَاتًا فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ.
وَأَمَّا مَا زِيدَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَلَيْسَ مِمَّا فِيهِ الْكَلَامُ: أَعْنِي السَّرِقَةَ بَلْ يَخُصُّ الزِّنَا.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِمَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَهُوَ الْمُدَّعَى بِهِ بِلَا ذِكْرِ الْمُدَّعِي لَوْنًا خَاصًّا يَثْبُتُ الْحَدُّ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَلْ وَقَعَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يُكَلَّفَا عِلْمَ لَوْنِهَا، فَإِنَّهُمَا لَوْ قَالَا لَا نَعْلَمُ لَوْنَهَا لَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُمَا وَيَجِبُ الْحَدُّ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي أَمْرٍ زَائِدٍ لَا يَلْزَمُهُمَا مِمَّا لَيْسَ مُدَّعًى بِهِ لَا يُبْطِلُ الْحَدَّ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي ثِيَابِ السَّارِقِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَهَا وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَحْمَرُ وَقَالَ الْآخَرُ أَبْيَضُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَكَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانٍ الزِّنَا مِنْ الْبَيْتِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي هَذِهِ الزَّاوِيَةِ وَقَالَ الْآخَرُ فِي تِلْكَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ فِي قَبُولِهَا إلَى التَّوْفِيقِ كَمَا فَهِمَهُ الْعَلَّامَةُ السَّرَخْسِيُّ، غَيْرَ أَنَّا تَبَرَّعْنَا بِالتَّوْفِيقِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ السَّرِقَةَ تَكُونُ غَالِبًا لَيْلًا وَنَظَرُ الشَّاهِدِ إلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ، وَذَلِكَ سَبَبُ اشْتِبَاهِ اللَّوْنِ إذَا كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ وَإِنْ كَانَا مُتَبَاعِدَيْنِ فِي الْبَلْقَاءِ فَيَرَى كُلٌّ لَوْنًا غَيْرَ الْآخَرِ فَيُحْمَلُ اخْتِلَافُهُمَا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُتَقَارِبَيْنِ، وَعَلَى الثَّانِي فَقَطْ فِي الْمُتَبَاعِدَيْنِ.
بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ يَقَعُ نَهَارًا فَلَا اشْتِبَاهَ فِيهِ، وَبِخِلَافِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ لِأَنَّهُمَا يُكَلَّفَانِ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ لِتُعْلَمَ الْقِيمَةُ فَيُعْلَمَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ بَلَغَ نِصَابًا أَوْ لَا، وَلِأَنَّ ذِكْرَهُ الذُّكُورَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ مِنْ قَرِيبٍ وَتَحَقَّقَ بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْحَالُ فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ التَّوْفِيقُ، فَالِاخْتِلَافُ وَإِنْ كَانَ فِي زِيَادَةٍ فَقَدْ شَغَبَ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا التَّوْفِيقَ لَيْسَ احْتِيَاطًا لِإِثْبَاتِ الْحَدِّ، كَمَا لَمْ يَكُنْ التَّوْفِيقُ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي مَكَانِ الزِّنَا مِنْ الْبَيْتِ بِأَنَّهُمَا قَدْ يَنْتَقِلَانِ بِحَرَكَةِ الْوَطْءِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان احْتِيَاطًا لِإِثْبَاتِهِ، وَلَا أَنَّ وَجْهَ قولهِمَا أَدَقُّ وَأَحَقُّ مِنْ قولهِ كَمَا ظَنَّهُ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ.
وَمَا قِيلَ إنَّ التَّوْفِيقَ لِإِثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَاجِبٌ فَيُفْعَلُ ثُمَّ يَجِبُ الْحَدُّ حِينَئِذٍ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ حِينَئِذٍ إنْ لَمْ يَصِحَّ مَنْعُ وُجُوبِهِ مُطْلَقًا بَلْ إذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ وُجُوبَ حَدٍّ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَلَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ إلَخْ) صُورَتُهَا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ فِي الرَّجُلِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِأَلْفٍ وَشَاهِدًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا بَاطِلٌ إلَى آخِرِ مَا هُنَاكَ، فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قَضَى بِأَلْفٍ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَهُنَا لَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا فَقَطْ وَالْمَقْصُودُ هُنَا دَعْوَى الْعَقْدِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قولهِ فِي الْجَامِعِ فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الدَّيْنَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ السَّبَبِ، وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِنْ أَرْكَانِهِ، وَالْمُرَكَّبُ الَّذِي بَعْضُ أَجْزَائِهِ مِقْدَارٌ خَاصٌّ غَيْرُ مِثْلِهِ بِمِقْدَارٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى أَحَدِهِمَا نِصَابُ شَهَادَةٍ فَلَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ أَصْلًا (وَلِأَنَّ الْمُدَّعِي يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ) وَهُوَ الشَّاهِدُ بِالْأَلْفِ (وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ) بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ فَأَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ كَذَلِكَ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ أَوْ أَقَلَّهُمَا لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ وَالتَّكْذِيبُ مِنْ الْمُدَّعِي.
وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ السَّيِّدِ الْإِمَامِ الشَّهِيدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ: تُقْبَلُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بِأَنْ يُزَادَ فِي الثَّمَنِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الشِّرَاءِ الْوَاحِدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا اشْتَرَى بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَكُونُ بِمِائَةِ دِينَارٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّارِحِينَ: فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ، كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَوْ جَازَ لَزِمَ الْقَضَاءُ بِبَيْعٍ بِلَا ثَمَنٍ إذْ لَمْ يَثْبُتْ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ تَعُودُ الْخُصُومَةُ كَمَا كَانَتْ فِي الْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَة الْمُدَّعَى بِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ وَسِيلَةً إلَى إثْبَاتِهَا.
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ ثَمَانِيَةُ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ: إحْدَاهَا هَذِهِ.

متن الهداية:
(وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعَقْدُ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْعَبْدَ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُوَ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ السَّبَبِ.
الشَّرْحُ:
وَالثَّانِيَةُ الْكِتَابَةُ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ إذَا ادَّعَاهَا الْعَبْدُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى: يَعْنِي الْكِتَابَةَ عَلَى وِزَانِ مَا ذَكَرَ فِي الْبَيْعِ زَادَ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى لِأَنَّ دَعْوَى السَّيِّدِ الْمَالَ عَلَى عَبْدِهِ لَا تَصِحُّ، إذْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دَعْوَى الْكِتَابَةِ فَيَنْصَرِفُ إنْكَارُ الْعَبْدِ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِهِ، فَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ إلَّا لِإِثْبَاتِهَا.

متن الهداية:
(وَكَذَا الْخُلْعُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَرْأَةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الْقَاتِلَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَبَقِيَ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ وَفِي الرَّهْنِ، إنْ كَانَ الْمُدَّعَى هُوَ الرَّهْنَ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ فَعَرِيَتْ الشَّهَادَةُ عَنْ الدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ.
الشَّرْحُ:
الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ الْخُلْعُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَرْأَةَ فِي الْخُلْعِ وَالْعَبْدَ فِي الْعِتْقِ وَالْقَاتِلَ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُمْ الْخَلَاصَ وَهُوَ مَقْصُودُهُمْ (وَإِنْ كَانَ الدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ) وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ وَوَلِيُّ الْقَتِيلِ (فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ فَشَهِدَ بِهِ شَاهِدٌ وَالْآخَرُ بِالْأَقَلِّ، فَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ بِعَطْفٍ مِثْلُ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قَضَى بِالْأَقَلِّ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَأَلْفٍ وَأَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ، وَهَذَا (لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تَبْقَ الدَّعْوَى إلَّا فِي الدَّيْن) وَالسَّادِسَةُ الرَّهْنُ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنَ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِشَيْءٍ أَصْلًا لِأَنَّ قَبُولَهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَلَمْ تَصِحَّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّاهِنَ (لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ) أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ مَا دَامَ الدَّيْنُ قَائِمًا فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى فَلَمْ تَصِحَّ (وَإِنْ كَانَ) الْمُدَّعِي هُوَ (الْمُرْتَهِنَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ) وَعَلِمْت حُكْمَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: الرَّهْنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَكَانَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَالِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مَتَى شَاءَ، بِخِلَافِ الرَّاهِنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِدَعْوَى الدَّيْنِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ إذْ الرَّهْنُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالدَّيْنِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ وَيَثْبُتُ الرَّهْنُ بِأَلْفٍ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلدَّيْنِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ مَثَلًا هَكَذَا أُطَالِبُهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِي عَلَيْهِ عَلَى رَهْنٍ لَهُ عِنْدِي فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ إلَّا الْمَالَ، وَذِكْرُ الرَّهْنِ زِيَادَةٌ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ دَيْنِهِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ دَيْنِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ هَكَذَا أُطَالِبُهُ بِإِعَادَةِ رَهْنِ كَذَا وَكَذَا كَأَنْ رَهَنَهُ عِنْدِي عَلَى كَذَا ثُمَّ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ مَثَلًا فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا دَعْوَى الْعَقْدِ، فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي أَنَّهُ رَهَنَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَإِنْ كَانَ زِيَادَةٌ يُوجِبُ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَخْتَلِفُ بِهِ.
وَفِي الْإِجَارَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَهُوَ نَظِيرُ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْمُدَّعِي هُوَ الْآجِرُ فَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ.
الشَّرْحُ:
وَالسَّابِعَةُ الْإِجَارَةُ، إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْآجِرُ أَنَّهُ أَجَّرَهُ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَشَهِدَ وَاحِدٌ كَذَلِكَ وَآخَرُ بِأَلْفٍ لَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ، إذْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُسْتَحَقُّ الْبَدَلُ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ الْعَقْدِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبَدَلِ فَلَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّهَا) اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ أَوْ لَمْ يَسْتَوْفِ بَعْدَ أَنْ تَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُؤَجِّرَ فَهُوَ دَعْوَى الْأُجْرَةِ، فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يَدَّعِي الْأَكْثَرَ يَقْضِي بِأَلْفٍ إذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ إلَّا الْأُجْرَةُ، وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِمَا لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِأَلْفٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ فَهُوَ دَعْوَى الْعَقْدِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُعْتَرَفٌ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ، وَلَا يَثْبُتُ الْعَقْدُ لِلِاخْتِلَافِ.

متن الهداية:
قَالَ: (فَأَمَّا النِّكَاحُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِأَلْفٍ اسْتِحْسَانًا، وَقَالَا: هَذَا بَاطِلٌ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا) وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي قول أَبِي يُوسُفَ مَعَ قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
لَهُمَا أَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ السَّبَبُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ وَالِازْدِوَاجُ وَالْمِلْكُ وَلَا اخْتِلَافَ فِي مَا هُوَ الْأَصْلُ فَيَثْبُتُ، ثُمَّ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَيَسْتَوِي دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ.
ثُمَّ قِيلَ: لِاخْتِلَافٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ مَقْصُودَهَا قَدْ يَكُونُ الْمَالَ وَمَقْصُودَهُ لَيْسَ إلَّا الْعَقْدَ.
وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَهَذَا أَصَحُّ وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
وَالثَّامِنَةُ النِّكَاحُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النِّكَاحَ أُجْرِيَ مُجْرَى الْفِعْلِ حَتَّى لَا يَقْبَلَ الِاخْتِلَافَ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى نِكَاحَهَا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّ وَلِيَّهَا زَوَّجَهَا مِنْهُ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ ادَّعَى هُوَ عَلَيْهَا ثَانِيًا أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ فَشَهِدَ هَذَا بِأَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ تُقْبَلُ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ إذَا ادَّعَى أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ فَشَهِدَا أَنَّ وَكِيلَهَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ زَوَّجَهَا لِأَنَّ لَفْظَ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا يُصَدَّقُ بِهِ فِي الْعُرْفِ.
وَقَدْ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَقَالَ: فَأَمَّا النِّكَاحُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقول: إذَا جَاءَتْ بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَشَاهِدٍ يَشْهَدُ عَلَى أَلْفٍ جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِالْأَلْفِ وَهِيَ تَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فَأَمَّا يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ فَقَالَا: النِّكَاحُ بَاطِلٌ أَيْضًا، فَمَشَى الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ فَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعِي فِيهِ الزَّوْجَ أَوْ الزَّوْجَةَ، وَجَعَلَهُ الْأَصَحَّ نَفْيًا لِمَا حَكَاهُ مِنْ الْقول بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعِي الزَّوْجَ فَلَا يَصِحُّ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْعَقْدِ إذْ الزَّوْجُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهَا مَالًا وَكَوْنُهُ الزَّوْجَةَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ: وَقَالَ وَجْهُ الْأَصَحِّ مَا ذَكَرْنَا.
يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ فِي النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْحِلُّ وَالِازْدِوَاجُ وَالْمِلْكُ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا بَلْ فِي التَّبَعِ، وَإِذَا وَقَعَ فِي التَّبَعِ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ الْقَضَاءُ بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ، فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ بِالْأَقَلِّ بِلَا تَفْصِيلٍ.
وَأَيْضًا أَجْرَى إطْلَاقَهُ فِي دَعْوَى لِلْأَقَلِّ الْأَكْثَرُ فَصَحَّحَ الصِّحَّةَ سَوَاءً ادَّعَى الْمُدَّعِي الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ قَيَّدَهُ بِدَعْوَى الْأَكْثَرِ حَيْثُ قَالَ: جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِأَلْفٍ وَهِيَ تَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، وَالْمَفْهُومُ يُعْتَبَرُ رِوَايَةً، وَبِقولهِ ذَلِكَ أَيْضًا يُفْهَمُ لُزُومِ التَّفْصِيلِ فِي الْمُدَّعَى بِهِ بَيْنَ كَوْنِهِ الْأَكْثَرَ فَيَصِحُّ عِنْدَهُ أَوْ الْأَقَلَّ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْبُطْلَانِ لِتَكْذِيبِ الْمُدَّعِي شَاهِدَ الْأَكْثَرِ كَمَا عَوَّلَ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَشَايِخِ، فَإِنَّ قول مُحَمَّدٍ وَهِيَ تَدَّعِي إلَخْ يُفِيدُ تَقْيِيدَ قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْجَوَازِ بِمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِلْأَكْثَرِ دُونَهُ فَإِنَّ الْوَاوَ فِيهِ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ فَيَثْبُتُ الْعَقْدُ بِاتِّفَاقِهِمَا وَدِينَ بِأَلْفٍ.
فُرُوعٌ:
شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ فُلَانٍ هَذَا الْعَبْدَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ يَقْضِي بِهِ لِلْمُدَّعِي، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَهُ لَمْ يَقْضِ لِلْمَشْهُودِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ تُقْبَلُ.
وَزَادَ فِي الْمُنْتَقَى حِينَ وَضَعَهَا ثَانِيَةً فِي الثَّوْبِ: لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَقَرَّ بِمَا قَالَا لَكِنَّهُ غَصَبَهُ مِنِّي تُقْبَلُ وَيُجْعَلُ ذُو الْيَدِ مُقِرًّا بِمَلَكِيَّةِ الثَّوْبِ لِلْمُدَّعِي فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الثَّوْبِ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ فِيمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَخْذِهِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْإِيدَاعِ مِنْهُ وَقَالَ الْمُدَّعِي إنَّمَا أَوْدَعْته مِنْهُ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِمِلْكٍ وَلَا بِأَخْذٍ، لِأَنَّ شَاهِدَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَشْهَدْ بِالْأَخْذِ فَلَزِمَ الْمُنَاقَضَةُ فِي الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ بِغَصْبِهِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَخْذِهِ مِنْهُ يَقْضِي بِهِ لِلْمُدَّعِي وَيُجْعَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى حُجَّتِهِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْأَخْذِ لَيْسَ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ فَلَا مُنَاقَضَةَ إذَا كَانَ الْأَخْذُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ.
شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الْعَيْنَ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِإِيدَاعِهِ الْمُدَّعِيَ إيَّاهُ مِنْهُ قَضَى لِلْمُدَّعِي، وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ الثَّانِي شَهِدَ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ دَفَعَ إلَيْهِ هَذَا الْعَيْنَ قُضِيَ بِهِ لِلْمُدَّعِي أَيْضًا، لَكِنْ لَوْ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى شِرَائِهِ مِنْهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ تُقْبَلُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ دَفَعَ إلَيَّ فُلَانٌ هَذَا الْعَيْنَ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ تُقْبَلُ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ قَالَ أَحَدُهُمَا أَعْتَقَ كُلَّهُ وَقَالَ الْآخَرُ نِصْفَهُ لَا تُقْبَلُ.
وَلَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إجْمَاعًا.
ادَّعَى الشِّرَاءَ فَشَهِدَا بِالْهِبَةِ وَالْقَبْضِ لَا تُقْبَلُ، إلَّا إنْ وَفَّقَ فَقَالَ جَحَدَنِي الشِّرَاءَ فَاسْتَوْهَبَهَا مِنْهُ وَأَعَادَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْهِبَةِ لِأَنَّ الْأُولَى مَا قَامَتْ عَلَى مَا ادَّعَى بِهِ مِنْ الْهِبَةِ وَإِنَّمَا ادَّعَاهَا الْآنَ فَيُقِيمُ بَيِّنَةَ دَعْوَاهُ.
ادَّعَى أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ وَالْآخَرُ مِنْ أُمِّهِ لَا تُقْبَلُ.
ادَّعَى دَارًا فَشَهِدَا لَهُ بِمُدَّعَاهُ وَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْمَقْضِيُّ لَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ بِالْأَرْضِ لِلْمُدَّعِي، وَإِنْ شَهِدَ بِالْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ بَطَلَ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَهُمَا فِيمَا قَضَاهُ مِنْ الْبِنَاءِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ دُخُولَ الْبِنَاءِ مُحْتَمَلٌ، فَإِقْرَارُ الْمُدَّعِي بِعَدَمِ دُخُولِهِ بَيَانٌ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ.
شَهِدَ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْهُ، أَوْ شَهِدَ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ غُلَامًا وَالْآخَرُ جَارِيَةً تُقْبَلُ.
شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ سَكَنَ هَذِهِ الدَّارَ وَالْآخَرُ أَنَّهَا لَهُ لَا تُقْبَلُ.
وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَاكِنُهَا قُضِيَ بِهَا لَهُ.
شَهِدَ أَنَّ قِيمَةَ الثَّوْبِ الْهَالِكِ كَذَا وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا لَا تُقْبَلُ.
شَهِدَ عَلَى صَرِيحِ الْإِذْنِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَبِيعُ فَلَمْ يَنْهَهُ لَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِهَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الطَّعَامِ وَالْآخَرُ عَلَيْهِ فِي الثِّيَابِ تُقْبَلُ عَلَى الْإِذْنِ.
وَفِي الْأَقْضِيَةِ: ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَشَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ تُقْبَلُ، وَلَوْ عَلَى إقْرَارِهِ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي الْبَيْعَ يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشِّرَاءِ وَالِاسْتِلَامِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَوْ بِعَدَمِ مِلْكِ نَفْسِهِ فِيهِ عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَلَا أَحَدَ مُتَعَرِّضٌ لِلْمُدَّعِي فَيَأْخُذُهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْهِبَةِ مِنْهُ وَالْمُدَّعِي يُنْكِرُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ قَالَ الْآخَرُ اسْتَأْجَرَهُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ بَاعَهُ الْمُدَّعِي مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ دَفَعَهَا إلَيْهِ.
شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ هَذَا وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ أَوْدَعَهُ مِنْهُ تُقْبَلُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ لَكِنْ بِحُكْمِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْأَخْذِ مِنْهُ مُنْفَرِدًا.
شَهِدَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا دِينَارًا وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ تُقْبَلُ.
شَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخَرُ بِغَيْرِهَا فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ تُقْبَلُ، وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ لِأَنِّي أَنْوِيهِ فِي وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَفِيهِ لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَالْآخَر أَنَّهُ قَالَ لَهُ: آزَادَ. تُقْبَلُ.
وَفِيهِ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ أَنَّهُ كَلَّمَهُ الْيَوْمَ وَالْآخَرُ أَمْسِ لَمْ تُقْبَلْ، وَذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ قَالَ طَلَّقْت، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْعِتْقِ ثُبُوتُهُ إذَا وَفَّقَ الْعَبْدُ بِأَنْ قَالَ كَلَّمْته فِي الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا.
وَفِيهِ شَهِدَ أَنَّهُ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَكَذَا وَالْآخَرُ إنْ دَخَلَتْ هَذِهِ وَهَذِهِ لَا تُقْبَلُ، وَفِيهِ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْيَوْمَ وَالْآخَرُ أَمْسِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ، وَلَوْ قَالَ إنْ ذَكَرْت طَلَاقَك إنْ سَمَّيْته إنْ تَكَلَّمْت بِهِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْيَوْمَ وَالْآخَرُ أَمْسِ يَقَعُ الطَّلَاقُ لَا الْعَتَاقُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا اخْتَلَفَتْ فِي الْكَلَامِ؛ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَذْفِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا.
وَفِي إنْشَائِهِ وَإِقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ إجْمَاعًا.
ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا قَرْضًا وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ أَلْفًا تُقْبَلُ لِاتِّفَاقِهِمَا أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ أَلْفٌ وَقَدْ جَحَدَ فَصَارَ ضَامِنًا هِيَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، وَقِسْمٌ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ادَّعَى مِلْكًا عَلَى رَجُلٍ بِالشِّرَاءِ فَشَهِدُوا لَهُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَلَا تُقْبَلُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ بِمَا إذَا نَسَبَهُ إلَى مَعْرُوفٍ كَأَنْ قَالَ اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ وَذَكَرَ شَرَائِطَ التَّعْرِيفِ، أَمَّا لَوْ جَهِلَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْت فَقَطْ أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ مِنْ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قَبِلَتْ.
وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ فِي الْقَبُولِ خِلَافًا.
وَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا بِهِ بِسَبَبٍ تُقْبَلُ، كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
وَزَادَ فِي الْأَجْنَاسِ فِي الْقَبُولِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعِيَ الْمِلْكَ أَلَكَ بِهَذَا السَّبَبِ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ إنْ قَالَ نَعَمْ قَضَى أَوْ لَا لَا.
وَفِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ: إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى مِلْكٍ لَهُ سَبَبٌ وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ.
وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ مَعْرُوفٍ وَنَسَبَهُ إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ مَعَ الْقَبْضِ وَقَالَ وَقَبَضْته مِنْهُ فَشَهِدُوا بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَفِي الْخُلَاصَةِ تُقْبَلُ بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ.
وَحَكَى الْعِمَادِيُّ فِيهِ اخْتِلَافًا، قِيلَ تُقْبَلُ لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ الْقَبْضِ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى تَعْيِينُ الْعَبْدِ، وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي نَفْسِهَا لَا كَالْمُطْلَقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِالزَّوَائِدِ فِي ذَلِكَ.
وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْإِسْلَامِ دَعْوَى الدَّيْنِ كَدَعْوَى الْعَيْنِ، وَهَكَذَا فِي شَرْحِ الْحِيَلِ لِلْحَلْوَانِيِّ، لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبِ الْقَرْضِ وَشَبَهِهِ فَشَهِدُوا بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا كَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَحْمُودُ الْأُوزْجَنْدِيُّ يَقول: لَا تُقْبَلُ كَمَا فِي دَعْوَى الْعَيْنِ بِسَبَبٍ وَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ.
قَالَ: وَفِي الْأَقْضِيَةِ مَسْأَلَتَانِ يَدُلَّانِ عَلَى الْقَبُولِ انْتَهَى.
وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ: لَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِسَبَبٍ ثُمَّ شَهِدُوا عَلَى الْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبِ حَمْلِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُطْلَقِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى الْمُطْلَقِ ثُمَّ شَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِبَعْضِ مَا شَهِدُوا بِهِ أَوَّلًا فَتُقْبَلُ.
أَمَّا النِّكَاحُ فَلَوْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِكَذَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ بِلَا زِيَادَةٍ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ قَدْرَ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَا يُقْضَى بِالزِّيَادَةِ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ قُضِيَ بِالنِّكَاحِ فَقَطْ.
وَلَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ مَعَ السَّبَبِ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ كَمَا لَوْ شَهِدَا جَمِيعًا بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ وَكُلُّ مَا كَانَ بِسَبَبِ عَقْدِ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ مِلْكٌ حَادِثٌ، وَإِنْ ادَّعَى بِسَبَبٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ مُطْلَقًا لَا تُقْبَلُ كَمَا إذَا شَهِدُوا جَمِيعًا بِالْمُطْلَقِ، وَفِيمَا لَوْ ادَّعَى التَّمَلُّكَ فَشَهِدُوا عَلَى الْمُطْلَقِ تُقْبَلُ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ فَشَهِدُوا عَلَى النِّتَاجِ لَا لِأَنَّ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ دَعْوَى أَوَّلِيَّتِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى النِّتَاجِ شَهَادَةٌ عَلَى أَوَّلِيَّتِهِ عَلَى الْيَقِينِ فَشَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ فَلَا تُقْبَلُ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى النِّتَاجَ أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ تُقْبَلُ.
وَلَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ أَوَّلًا ثُمَّ النِّتَاجَ لَا تُقْبَلُ.
وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِالنِّتَاجِ وَشَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ لَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِسَبَبٍ حَيْثُ تُقْبَلُ انْتَهَى.
وَلَا يُشْكِلُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى النِّتَاجَ بِسَبَبٍ فَشَهِدَا بِسَبَبٍ آخَرَ لَا تُقْبَلُ.
وَفِي الْفُصُولِ: الْقَاضِي إذَا سَأَلَ الشُّهُودَ قَبْلَ الدَّعْوَى عَنْ لَوْنِ الدَّابَّةِ فَقَالُوا كَذَا ثُمَّ عِنْدَ الدَّعْوَى شَهِدُوا بِخِلَافِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَمَّا لَا يُكَلَّفُ بَيَانَهُ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ.
وَقَالَ رَشِيدُ الدِّينِ: وَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ.
وَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا مُؤَرَّخًا فَقَالَ قَبَضْته مِنِّي مُنْذُ شَهْرٍ فَشَهِدُوا بِلَا تَارِيخٍ لَا تُقْبَلُ وَعَلَى الْعَكْسِ تُقْبَلُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَدَعْوَى الْمِلْكِ بِسَبَبِ الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا أَرَّخَ.
فَفِي الْخُلَاصَةِ: ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا مِلْكُ أَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وَفَّقَ فَقَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَبِعْتهَا مِنْ أَبِي ثُمَّ وَرِثْتهَا عَنْهُ مُنْذُ سَنَةٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذَا التَّوْفِيقِ.
وَإِذَا أَرَّخَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَا تُقْبَلُ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُؤَرِّخِ وَتُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمُؤَرَّخِ وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ بِسَبَبٍ أَرَّخَهُ فَشَهِدُوا بِالشِّرَاءِ بِلَا تَارِيخٍ تُقْبَلُ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا، وَلَوْ كَانَ لِلشِّرَاءِ شَهْرَانِ وَأَرَّخُوا شَهْرًا تُقْبَلُ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا، وَلَوْ أَرَّخَ الْمُطْلَقَ بِأَنْ قَالَ هَذَا الْعَيْنُ لِي مُنْذُ سَنَةٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ قَالَ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَشَهِدُوا أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ تُقْبَلُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَ مِنِّي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَشَهِدُوا عَلَى الْقَبْضِ تُقْبَلُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَبَضَ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ شَهِدُوا وَقَدَّمْنَا مِنْ مَسَائِلِ الْقَبْضِ شَيْئًا.
دَارٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَاهَا بَعْدَ الدَّعْوَى أَوْ قَبْلَهَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ لَهُ نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ مُشَاعًا وَفِي يَدِ رَجُلٍ نِصْفُهَا مَقْسُومَةً فَشَهِدُوا أَنَّ لَهُ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ الْحَاضِرِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ.
وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى دَارًا وَاسْتَثْنَى طَرِيقَ الدُّخُولِ وَحُقُوقَهَا وَمَرَافِقَهَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا لَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى بَيْتًا وَلَمْ يَسْتَثْنُوهُ إلَّا إذَا وَفَّقَ فَقَالَ صَدَقُوا لَكِنِّي بِعْت هَذَا الْبَيْتَ مِنْهَا تُقْبَلُ.
وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ: إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ لِلْحَالِ فَشَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ تُقْبَلُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الْمَاضِي فَيُحْكَمُ بِهِ فِي الْحَالِ مَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُزِيلُ.
وَقَالَ الْعِمَادِيُّ: وَعَلَى هَذَا إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا أَوْ قَالَا بِالْفَارِسِيَّةِ أَيْنَ مِقْدَارُ: زردردمه اين مُدَّعَى عَلَيْهِ بِوُدِّ مُرِينِ مُدَّعَى را. يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ كَمَا فِي دَعْوَى الْعَيْنِ انْتَهَى.
وَنَظِيرُهُ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ مَا ذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ: إذَا قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كَانَ مِلْكَهُ تُقْبَلُ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا مِلْكَهُ فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقول: امروز مِلْك وى مى دَانَيْت. انْتَهَى.
وَمَعْنَى هَذَا لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقول أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَلَكَهُ الْيَوْمَ.
نَعَمْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقول هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَقَطْ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي عَيْنٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمِلْكِهِ فِي الْحَالِ، أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يَمْلِكُهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْمِلْكِ فِي الْحَالِ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالْعَيْنِ لِلْمُدَّعِي لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْقَاضِي إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ زَوْجَتُهُ فَشَهِدُوا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْحَالِ تُقْبَلُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدُوا بِالْمِلْكِ فِي الْمَاضِي.
أَمَّا لَوْ شَهِدُوا بِالْيَدِ لَهُ فِي الْمَاضِي وَقَدْ ادَّعَى الْآنَ لَا يُقْضَى لِلْمُدَّعِي بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ تَسُوغُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْضَى بِهَا، وَخَرَّجَ الْعِمَادِيُّ عَلَى هَذَا مَا نَقَلَ عَنْ الْوَاقِعَاتِ.
لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ رَجُلٍ عِنْدَ رَجُلَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ أَنَّ شَاهِدَيْ الْإِقْرَارِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا يَشْهَدَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ هَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ وَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ تُقْبَلُ، وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ عَلَيْهِ، وَالْحَالُ أَنَّ صَاحِبَ الْوَاقِعَاتِ فَرَّقَ حَيْثُ قَالَ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَشْهَدَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لَمْ يَكُنْ لِمَنْعِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مَعْنًى.
وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ أَنَّهُمَا إذَا ثَبَتَ عِنْدَ هُمَا بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ أَنَّهُ قَضَاهُ.
ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُمَا أَوْ ثَبَتَ بِطَرِيقٍ أَفَادَهُمَا ذَلِكَ أَنْ لَا يَشْهَدَا كَمَا عُرِفَ فِيمَا إذَا عَلِمَ شَاهِدُ الْأَلْفِ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ لَا يَشْهَدُ حَتَّى يُقِرَّ بِقَبْضِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَكْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ لَوْ ادَّعَى فِي الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ هَذِهِ الْجَارِيَةُ كَانَتْ مِلْكِي فَشَهِدُوا أَنَّهَا لَهُ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِهَا، وَالْأَصَحُّ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ إسْنَادَ الْمُدَّعِي دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ كَانَ فِي الْمَاضِي إلَّا ذَلِكَ، بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ إذَا أَسْنَدَا ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِمَا إيَّاهُ فِي الْحَالِ لِجَوَازِ قَصْدِهِمَا إلَى الِاحْتِرَاسِ عَنْ الْإِخْبَارِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُمَا بِهِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا سِوَى ثُبُوتِهِ فِي الْمَاضِي وَلَمْ يَعْلَمَا بِانْتِقَالِهِ فَقَدْ يَكُونُ انْتَقَلَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَحْتَرِسُ عَنْهُ الشَّاهِدُ وَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ لِلْحَالِ بِالِاسْتِصْحَابِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: ادَّعَى النَّقْرَةَ الْجَيِّدَةَ وَبَيَّنَ الْوَزْنَ فَشَهِدَا عَلَى النَّقْرَةِ وَالْوَزْنِ وَلَمْ يَذْكُرَا جَيِّدَةً وَلَا رَدِيئَةً وَلَا وَسَطًا تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالرَّدِيءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى قَفِيزَ دَقِيقٍ مَعَ النُّخَالَةِ فَشَهِدُوا مِنْ غَيْرِ نُخَالَةٍ أَوْ مَنْخُولًا فَشَهِدُوا عَلَى غَيْرِ الْمَنْخُولِ لَا تُقْبَلُ.
وَفِيهَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ بَيْتٍ فَشَهِدُوا عَلَى أَلْفٍ مِنْ ضَمَانِ جَارِيَةٍ غَصَبَهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ.
وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَسْطُورَةِ: وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَا بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ بَاعَهَا مِنْهُ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّهُ أَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَاَلَّذِي لِي عَلَيْهِ ثَمَنُ مَتَاعٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ: أَيْ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ مِثْلَهُ فِي الْإِقْرَارِ يُقْبَلُ لِمَا ذَكَرُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا، وَفِي الْكَفَالَةِ: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَفَلَ بِأَلْفٍ عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ الطَّالِبُ هُوَ أَقَرَّ بِذَلِكَ لَكِنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ عَنْ فُلَانٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْمَالِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَضُرُّهُمَا الِاخْتِلَافُ فِي السَّبَبِ.
وَمِثْلُهُ ادَّعَى أَنَّهُ أَجَّرَهُ دَارًا وَقَبَضَ مَالَ الْإِجَارَةِ وَمَاتَ فَانْفَسَخَتْ وَطَلَبَ مَالَ الْإِجَارَةِ فَشَهِدُوا أَنَّ الْآجِرَ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَالِ الْإِجَارَةِ تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ، لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ مَالِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ أَوْ الْقَرْضَ فَشَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالْمَالِ تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْقَبُولَ فِي الْمُحِيطِ وَالْعِدَّةِ.
وَقَالَ قَاضِي خَانْ تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَلَوْ ادَّعَى قَرْضًا فَشَهِدُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ دَفَعَ إلَيْهِ كَذَا وَلَمْ يَقولوا قَبَضَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَثْبُتُ قَبْضُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْبَيْعِ شَهَادَةٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْقَبْضُ بِذَلِكَ يَكُونُ الْقول لِذِي الْيَدِ أَنَّهُ قَبَضَ بِجِهَةِ الْأَمَانَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِجِهَةِ الْقَرْضِ إنْ ادَّعَاهُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ دَيْنَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ قَضَاهُ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَا جَمِيعًا بِالْإِقْرَارِ قُبِلَتْ، وَلَوْ ادَّعَى شِرَاءَ دَارٍ مِنْ رَجُلٍ فَشَهِدَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ وَكِيلِهِ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا بَاعَهَا مِنْهُ وَهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجَازَ الْبَيْعَ.
ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّك قَبَضْت مِنْ مَالِي جَمَلًا بِغَيْرِ حَقٍّ مَثَلًا وَبَيَّنَ سِنَّهُ وَقِيمَتَهُ فَشَهِدُوا أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ غَيْرِ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِهِ لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ مَالِي وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْت مِنِّي فَلَا يَكُونُ مَا شَهِدُوا بِهِ يُنَاقِضُهُ فَيَحْضُرُهُ لِيُشِيرَ إلَيْهِ بِالدَّعْوَى.
الْقِسْمُ الثَّانِي: اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ.
ادَّعَى بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِهِ لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا أَنَّهُ لَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهُ مَلَكَهُ لَا تُقْبَلُ، وَمِثْلُهُ دَعْوَى الرَّهْنِ فَشَهِدَ بِهِ بِمُعَايَنَةِ الْقَبْضِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِقَبْضِهِ لَا تُقْبَلُ.
قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: الرَّهْنُ فِي هَذَا كَالْغَصْبِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لَوْ ادَّعَاهَا فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُودَعِ قُبِلَتْ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهَا وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهَا لَا تُقْبَلُ عَلَى قِيَاسِ الْغَصْبِ، وَعَلَى قِيَاسِ الْقَرْضِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِذَلِكَ تُقْبَلُ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ وَاحِدٌ.
وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَتْ صَدَاقَهَا فَقُلْت وَهَبَتْنِي إيَّاهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِبْرَاءِ تُقْبَلُ لِلْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ السُّقُوطُ، وَقِيلَ لَا لِلِاخْتِلَافِ، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ وَالْهِبَةَ تَمْلِيكٌ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ.
وَلَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ.
وَفِي الْمُحِيطِ: ادَّعَى دَارًا فَشَهِدَ أَنَّهَا دَارُهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهَا لَهُ لَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الدَّيْنِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا لَا تُقْبَلُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَإِذَا رَاجَعْت الْقَاعِدَةَ الَّتِي أَسْلَفْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْقول وَالْفِعْلِ خَرَّجْت كَثِيرًا مِنْ الْفُرُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.